ودّعت طرابلس ومعها لبنان رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية السابق المثلث الرحمة المطران جورج بو جودة في مأتم رسميّ وشعبي.

وكان قد انطلق جثمان الراحل من المركز الاستشفائي في بحنّس، منذ ساعات الصباح الأولى، ليصل إلى شكا ومن بعدها الى دار المطرانية في طرابلس حيث استقبله راعي الأبرشية المطران يوسف سويف وكهنة الأبرشية بالاضافة الى حشد من المؤمنين.

ونُقِل الجثمان الى كنيسة مار مارون في طرابلس حيث سجيّ ليتبارك منه المؤمنون كما تتالت الاحتفالات بالقداديس الالهية لغاية الساعة الثانية من بعد الظهر.
وترأس رتبة جناز الأحبار البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بمشاركة السفير البابوي في لبنان جوزيف سبيتيري وراعي أبرشية طرابلس وعدد من الأساقفة.

كما شارك بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي ممثّلاً بالمطران ادوار ضاهر وبطريرك السريان االكاثوليك إغناطيوس يوسف الثالث يونان ممثلا بالمطران ماتياس شارل مراد.

وحضر رئيسا الجمهورية والحكومة ممثّلَين بوزير السياحة وليد نصّار ورئيس مجلس النواب ممثّلاً بالنائب علي درويش، بالإضافة الى عدد من النواب والوزراء الفاعليات السياسية والاجتماعية والتربوية والبلدية وحشد من المؤمنين من رعايا أبرشية طرابلس المارونية.
رئيس الجمهورية

وقلّد رئيس الجمهورية ميشال عون المثّلث الرحمة المطران جورج بو جودة وسام الاستحقاق الفضي ذو السعف وذلك خلال كلمة القاها باسمه وزير السياحة وليد نصار قائلاً: “قلّة أولئك الذين يجعلون من جهنم رسالة وبشرى. بهما أختصر سيادة المطران جورج بو جودة، رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية سابقا، مسيرة حياته جاعلا منها دربا الى النور الأبدي.

من جورة البلوط القرية الهانئة في وداعة جبل لبنان الى عاصمة الشمال، طرابلس الرابضة على تاريخ العيش الواحد، والقابضة على أمواج الصعاب وفي هدأتها سير نهر الوادي المقدس يحيي محطات حقيقتها الوطنية الراسخة، انتقل واستقر. فكان مبشّراً ومرافقاً، على هدى الآباء اللعازاريين الذين ارتسم على مذبح كنيستهم كاهناً، مستمّداً من القديس منصور روحانية جعلت من حياته فعل محبة متواصل حيث الانسان كل انسان وكل انسان قريبه في الانسانية”.

وأضاف نصار: “ما حياته سوى مثابرة في الالتزام لاسيما مع الشبيبة، التي هي حاضر الوطن والكنيسة ومستقبلهما وما العناية سوى ذاك الرضى المتدفق في نعمة العطاء وفي ذلك منتهى المحبة لا بل ذروتها حضورا وقولاً وفعلاً. بالكلمة كان المطران جورج يعالج جراحا ، وهو مدرك ان لا كلمة الا هو، المسيح الكاهن الاكبر والمبتغى الذي يبقى رمق الأبدية في حياتنا اليومية التي من تراب واليه تعود. اليوم اذ نودعه في خواتيم زمن الصوم المقدس، تبقى لنا هناءة ابتسامته ان كل مصلوب في غربة الى القيامة وصوله ، حيث لا بكاء ولا ألم بعد، انما اتحاد بمن صلب وقام من أجل خلاص أبناء البشر وهم جميعهم أسماهم أخوة”.
البطريرك الراعي

خلال الجناز، عبّر البطريرك الراعي عن حزنه ومحبته لمثلث الرحمة بو جودة الذي خدم الكنيسة في طرابلس ولبنان مبشرا ورسولا على خطى السيد المسيح.
وفي عظته قال: “جاهد المطران جورج الجهاد الحسن، محافظًا على الإيمان الذي تربّى عليه في البيت الوالديّ، في جورة البلّوط العزيزة، بيت المرحومين بشارة صوما بو جوده وميلاده طنّوس، إلى جانب شقيقة وثلاثة أشقّاء، سبقه إثنان منهم إلى دار الخلود، هما المرحومان سمير العميد في قوى الأمن الداخليّ، وفؤاد الرئيس لدائرة في وزارة الإتصالات. فنرجو العمر الطويل للعزيزة لودي وللعزيز الدكتور صوما الأستاذ في الجامعة الأميريكيّة-بيروت، الذي حضر من الولايات المتّحدة الأميريكيّة حيث كان يحاضر، ليلقي النظرة الأخيرة على الحبر شقيقه، ويطبع على يده قبلة الوداع. لقد عرفنا شخصيًّا هذه العائلة بكلّ أفرادها، عندما كنت أحيي في الرعيّة رياضة الصوم أكثر من مرّة بدعوة من كاهنها المرحوم الخوري فيليب العلم. وكنت دائمًا أدخل بيتهم لإيمانهم ومشاركتهم وحبّهم للكنيسة”.

وتابع الراعي عظته قائلاً: “انطلق الأب جورج إلى الرسالة مزوّدًا بالفضيلة والعلم والروح الرساليّ والغيرة الكهنوتيّة من دون أن يهدأ. ففي جمعيّة الآباء اللعازريّين، أسندت إليه تباعًا منذ رسامته الكهنوتيّة حتى إنتخابه مطرانًا لأبرشيّة طرابلس العزيزة في أيلول 2005، المهام التالية: إدارة بيت مار منصور للطلاب في الأشرفيّة، وكالة المدرسة الإكليريكيّة في الفنار وتدريس اللغتين اللاتينيّة والفرنسيّة فيها، إدارة الإبتداء، رئاسة دير مار يوسف-مجدليا لأكثر من حقبة، رئاسة الدير المركزيّ-الأشرفيّة بيروت، مرشديّة حركة الشبيبة المريميّة في إقليم الشرق، ثمّ عُيّن رئيسًا إقليميًّا للآباء اللعازريين في الشرق لست سنوات. في كلّ هذه المسؤوليّات كان مجدِّدًا على كلّ صعيد. ومن بين إنجازاته ترميمُ دير مار يوسف-مجدليا، وإعادةُ الحياة إليه بعد أن دمّرته الحرب، وجعلُه مركز إشعاع روحيّ.

وأضاف: “لمّا طُرح إسمه مطرانًا لأبرشيّة طرابلس مع إثنين آخرين، خلفًا للمثلّث الرحمة المطران يوحنّا فؤاد الحاج الطيب الأثر والذكر، تمّ إنتخابه، فانطلق بالروح الرساليّ الذي يميّزه لخدمة أبرشيّة أحبّها وأحبّته “مجاهدًا الجهاد الحسن” (2 تيم 4: 7)، في سبيل تعزيز الحياة الروحيّة في الرعايا والعائلات والمنظّمات الرسوليّة، والزيارات الراعويّة المكثّفة؛ كان حاضرًا مع شعبه في مختلف الظروف، حضورًا فاعلًا ومحبًّا. وأنشأ مراكز التنشئة اللاهوتيّة للعلمانيّين حيث لم تكن موجودة. ووجّه الرسائل الراعويّة العامّة في كلّ سنة، وفي محطّات السنة الليتورجيّة، وقد أصدرها في كتاب بعنوان “رسائل راعويّة”، صدّرناه ببركة رسوليّة، أرادها من كلّ قلبه، بتاريخ 30 تشرين الثاني 2021. وقام بمشاريع الإنماء والترميم والبناء، فأكمل بناء المدرستين التكميليّتين في كلّ من القبّة-بطرابلس، وحلبا بعكّار. ورمّم الميتم المعروف بمؤسّسة مار أنطون الإجتماعيّة في كفرفو وجهّزه، وشرع ببناء بيت الفتاة في هذه المؤسّسة. كما رمّم في مجمّع كرمسده كرسيّ المطرانيّة، ومبنى الإكليريكيّة القديم وخصّصه للعمل الرسوليّ والنشاطات الراعويّة، وجدّد في إجبع مقرّ المطرانيّة الصيفيّ، وبنى في مدينة القبيّات بعكّار مركزًا للمطرانيّة على إسم مار منصور، وجعله مقرًّا لنائب أسقفيّ مفوّض، ومكانًا للقاءات الأسقف مع كهنة عكّار وشعبها. وسعى وحقق مع بلدية طرابس مشكورة الى تسمية اربعة شوارع في وسط المدينة باسماء مطارانة سابقين للابرشية تخليدًا لمآثرهم ولذكراهم وهم المثلثو الرحمة: انطون عبد، انطون جبير، جبرائيل طوبيا ويوحنا فؤاد الحاج، وقد شاركنا في حينه بازاحة الستائر عن لوحات هذه الشوارع”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com